jeudi 13 avril 2017

تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة النبأ


تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة النبأ 078 – الدرس ( 6 ) : تفسير الآيات 31 - 40، من هم المتقون ؟ الفوز الحقيقي في التقوى ، الحكمة من وصف الجنة . لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2016-06-11 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . الفوز الحقيقي هو النجاح في الدنيا والآخرة معاً : أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا مع تفسير الجزء الثلاثين ، ومع السورة الأولى وهي سورة النبأ ، ومع قوله تعالى : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [ سورة النبأ :31] والحقيقة قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ سورة الأحزاب : 71] والفوز هو النجاح في الدنيا والآخرة معاً ، الفوز هو أن تحقق علة وجودك في الدنيا ، الله عز وجل جاء بنا إلى الدنيا كي نعبده ، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ سورة الذاريات: 56] فالإنسان إذا عبد الله ، أي خضع لمنهجه في كل شؤون حياته ، هذه حقيقة العبادة ، لذلك ومن يطع الله ورسوله فيما أنزل إلينا من القرآن من توجيهات ، من أمر ، من نهي ، فقد فاز فوزاً عظيماً ، والفوز العظيم هو الشيء الذي يصعب تصوره ، قال تعالى : ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ [ سورة النساء: 113 ] فحينما تعرف الله فقد عرفت كل شيء ، فإذا غبت عن هذه المعرفة غاب عنك كل شيء ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [ سورة النبأ :31] فالفوز الحقيقي في التقوى ، والتقوى أن تنظر بنور الله ، التقوى أن تقيم أمر الله في نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً ، في الجنة : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [ سورة النبأ :31] قال تعالى : ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة النحل : 32] وصف الجنة : قال تعالى : ﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾ [ سورة النبأ :32] نحن في الأرض نسر بالحديقة ، بالبستان الجميل ، باللون الأخضر ، بالجبل الشامخ المكلل بالثلج ، بالبحر ، بالنهر ، بالأطيار ، بالأسماك ، هذه مظاهر جمالية ، وهي من تجليات الله عز وجل الجميل ، الله عز وجل يتجلى باسم الجميل على أشياء كثيرة ؛ ففي حياتنا جمال ، والإنسان يحب الجمال والكمال والنوال ، فإذا ذكر الله لنا بعض مظاهر الجمال في الجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾ [ سورة النبأ :31-32] الحديقة مكان جميل فيها نبات أخضر ، و أشجار باسقة ، وأطيار ، وأزهار ، وحقول، وأنهار ، وجداول ، هذه كلها أشياء جميلة في الدنيا ، أرادها الله أن تكون مرتكزاً لصفات الجنة في الآخرة ، والإنسان أحياناً تكون هذه الصور الجميلة في القرآن عن الجنة باعثاً له على طاعة الله ، باعثاً له على الخضوع لأمر الله ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾ [ سورة النبأ :31-32] والجنة كما ذكرها الله فيها جنات تجري من تحتها الأنهار ، وفيها حور عين ، وفيها النظر لوجه الله الكريم ، قال تعالى : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ سورة القيامة : 22-23] قال تعالى : ﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾ [ سورة النبأ :32-33] الكواعب وصف للنساء بصفات مميزة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، الترب من كان في سنك ، الله عز وجل يصف الجنة ببعض ما فيها ، فيها أشجار ، فيها أنهار ، فيها أطيار ، فيها رياحين ، فيها كل شيء تلذ له الأعين ، لكن وفيها حور عين ، وفيها ولدان مخلدون ، إذاً : ﴿ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾ [ سورة النبأ :32-33] الكواعب وصف للنساء بصفات مميزة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، قال تعالى : ﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾ [ سورة النبأ :34] دهاقاً أي ممتلئاً ، الشراب طيب ، والمنظر طيب ، والنساء جميلات ، والأزهار ، والأطيار. ذكر الله يطمئن النفس : قال تعالى : ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :35] ما هو اللغو ؟ الآية تقول : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون : 1-3] من أجمل ما كتب عن اللغو ما سوى الله ، والإنسان إذا انشغل بالحديث عما سوى الله وقع في اللغو ، واللغو غير مسعد ، لذلك القوم إذا جلسوا مجلساً ، وذكروا الله فيه ، تجلى عليهم الله عز وجل برحمته ، برضوانه ، أما إذا جلسوا في مجلس لم يذكروا الله فيه فقد قاموا عن أنتن من جيفة حمار ، فالبطولة أنك إن جلست في مجلس أن تذكر الله فيه ، هذا الذكر يطمئن النفس ، قال تعالى : ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [ سورة الرعد : 28] الفوز العظيم يكون بدخول الجنة و النظر إلى وجه الله الكريم : إذاً الفوز العظيم يكون بدخول الجنة ، في هذه الجنة حدائق ، بساتين ، أشجار ، أطيار ، أعناب ، فواكه ناضجة ، فواكه طيبة ، فواكه في متناول اليد ، أي فواكه بين يديك ، قال تعالى: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾ [ سورة النبأ :33] هنا الحوريات في الجنة ، سميت كواعب بصفة متميزة في المرأة يحبها الرجال ، أتراباً في سن واحدة ، هذه بعض صفات الجنة : ﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾ [ سورة النبأ :34] دهاقاً أي ممتلئاً ، جمال منظر ، جمال نبات ، جمال أطيار ، جمال نساء : ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :35] اللغو ما سوى الله ، حديث عن الدنيا قد يضيق به الصدر ، قد يحتار فيه الإنسان، ما تفسيره ؟ لا مانع من ذكر بعض الحوادث التي نعيشها ، أما أن يكون المجلس كله في سلبيات الحياة ، يقوم الجالسون فيه عن حالة سيئة جداً ، قد يتسرب اليأس إلى النفوس ، دائماً وأبداً لا تنس أن الأمر بيد الله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، قال تعالى : ﴿ وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :34-35] وأي جلسة تجلسونها ، أي سهرة تسهرونها ، أي لقاء تلتقون به ، إذا دخل ذكر الله إلى هذا اللقاء يسعد الحاضرون سعادة كبرى ، قال تعالى : ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :35] الكذب الشديد ، الإكرام المادي في الجنة موجود معه إكرام من نوع آخر ، قال تعالى : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ سورة القيامة: 22-23] والنظر إلى وجه الله الكريم يغيب الإنسان من نشوة النظرة خمسين ألف عام . الحكمة من وصف الله الجنة لنا : الآن قال تعالى : ﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [ سورة النبأ :36] هذا جزاء الآخرة ، جنات تجري من تحتها الأنهار ، سيدنا علي يقول : " يا بني ما خير بعده النار بخير ، وما شرّ بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ". وما وصف الله لنا الجنة إلا لنقبل عليها ، لنأخذ بأسبابها ، قال تعالى : ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة النحل : 32] تحتاج الجنة إلى عمل صالح ، تحتاج إلى استقامة على منهج الله ، تحتاج إلى بر الوالدين ، إلى وفاء زوجي ، إلى تربية الأولاد ، إلى أن تختار حرفة ترضي الله ، فيها عطاء للآخرين ، لذلك منهج الله يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من علاقته بأسرته وتنتهي بالعلاقات الدولية ، فأنت حينما تخضع لمنهج الله ، وتؤمن بالله ، عندك مئات بل ألوف الخصوصيات والجزئيات التي ينبغي أن تأخذ بها ، تأتي الآية : ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة النحل : 32] العمل في الدنيا هو ثمن الجنة ، لكن كما قيل : ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم ، أي كل أعمالكم الصالحة لا تساوي ثمن الجنة ، تساوي ثمن مفتاح الدخول فقط ، أعمالك الصالحة تساوي سبب دخول الجنة ، أما الجنة فبرحمة الله . إذاً وصف الجنة في القرآن الكريم : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :31-35] اللغو ما سوى الله ، والكذب شيء مخالف للحقيقة ، وهذا مما اتصف به آخر الزمان . ﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [ سورة النبأ :36] لذلك يا بني ما خير بعده النار بخير ، وما شرّ بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية . ﴿ مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [ سورة النبأ :36] يوم القيامة هو يوم تصفية الحسابات : من هو الله ؟ ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ [ سورة النبأ :37] السموات والأرض مصطلحٌ قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، لا يغيب عن ذهنكم أن في الكون مئات ألوف ملايين المجرات ، ومن المجرات المتواضعة مجرة درب التبابنة مجرتنا ، والمجموعة الشمسية نقطة في درب التبابنة ، الكون عظيم ، لذلك هؤلاء الناس الذين عرفوا الله لهم مصير رائع . ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ [ سورة النبأ :37] ذنوبهم ، انحرافهم ، عدوانهم ، طغيانهم ، كان حجاباً بينهم وبين الله : ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴾ [ سورة النبأ :37] الإنسان حينما يقع بذنب كبير قد لا يستطيع أن يتكلم . ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [ سورة النبأ :37-38] هذا اليوم الصعب ، يوم الدينونة ، يوم الحساب ، يوم تصفية الحسابات . فلذلك الإنسان حينما يدخل هذا اليوم في حساباته ، قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون: 74] الإنسان الذي ألغى الآخرة من حساباته لا يستقيم على أمر الله ، عن الصراط لناكبون ، والحقيقة الدقيقة أنه لا يمكن أن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت باليوم الآخر ، والآيات المكية في معظمها تؤكد على الإيمان بالله واليوم الآخر ، أنت إذا آمنت بالله واحداً ، موجوداً ، كاملاً ، أسماءه حسنى ، صفاته علا ، وآمنت باليوم الآخر يوم الدينونة ، يوم الجزاء، يوم الحساب ، أنت حينما تدخل اليوم الآخر في حساباتك تستقيم ، ولا تستطيع أن تؤذي مخلوقاً، لذلك أركان الإيمان ، الإيمان بالله و اليوم الآخر والأنبياء والكتب وما إلى ذلك ، لكن الركنين الأساسيين في الإيمان وردا معاً في مئات الآيات الإيمان بالله واليوم الآخر ، فاليوم الآخر يوم الدينونة ، يوم الحساب . أكبر إنجاز يحصّله الإنسان في الدنيا القلب السليم : قال تعالى : ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ سورة الشعراء:88-89] و القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله. أكبر إنجاز تحصّله في الدنيا أن تنتهي الحياة بقلب سليم ، هذا القلب السليم قلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله ، يقول الله عز وجل : ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ﴾ [ سورة النبأ :39] أي وقوعه حق لا ريب فيه ، والحق الشيء الثابت والهادف ، لا بد من أن يقع هذا اليوم ، في هذا اليوم تسوية الحسابات ، قال تعالى : ﴿ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا ﴾ [ سورة النبأ :39] طريق الإيمان واضح ، يكفي أن تتفكر في خلق السموات والأرض ، تنتهي من هذا التفكر إلى إيمان بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، ويكفي أن تقرأ كتابه ، وتأتمر بما أمر ، وتنتهي عما عنه نهى وزجر ، ويكفي أن تقوم بأعمال صالحة تكون ثمن دخول الجنة . العاقل من يعد ليوم الحساب عدته : إذاً : ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا ﴾ [ سورة النبأ :39] مآباً : صالحاً ، عودة صالحة ، مصيراً رائعاً ، دخولاً للجنة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ﴾ [ سورة النبأ :40] العذاب قريب ، كل شيء آت قريب ، كل متوقع آت وكل آت قريب ، والإنسان يكون في غمرة الحياة الدنيا يفاجأ أنه اقترب أجله ، أي الموت يأتي بأسباب طفيفة جداً ، خثرة في الدماغ تنتهي الحياة ، سكتة في القلب تنتهي الحياة ، فالإنسان كل طموحاته ، وكل آماله ، وكل مكانته مبنية على ضربات قلبه ، إذا توقف القلب الموت قريب ، قال تعالى : ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [ سورة النبأ :40] بين يديه عمله : ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [ سورة الإسراء: 14] قال تعالى : ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [ سورة النبأ :40] ليتني لم أخلق ، لذلك إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب . فالبطولة والذكاء والتوفيق والنجاح أن تعد لهذا اليوم عدته ، الإعداد لهذا اليوم بين يديك ، يكفي أن تطيع الله ، أن تقيم أمره في نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، عندئذ تدخل جنة ربك . يوم القيامة يوم حق يحاسب فيه كلّ إنسان على عمله : أخواننا الكرام ؛ حينما قال الله عز وجل : ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ﴾ [ سورة النبأ :39] كلمة حق كثيرة في القرآن الكريم ، الحق هو الله أولاً ، الله هو الحق ، لكن الحق هو الشيء الثابت ، أي قانون ، مثلاً المعادن تتمدد بالحرارة هذا قانون ، بأي مكان ، بأي زمان، في أوربا ، في آسيا ، قبل ألف عام ، بعد ألف عام ، القانون طابعه ثابت ، فالحق ثابت ، هذا الدين حق ، القرآن حق ، الحياة الدنيا بطاعة الله حق ، الموت حق ، الجنة حق ، النار حق ، والإنسان حينما يقترب أجله يلقن هذه التلقينات ، فلذلك : ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا ﴾ [ سورة النبأ :39] من شاء أي من أراد ، الإنسان مخير ، مخير قولاً واحداً ، قال تعالى : ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [ سورة الكهف: 29 ] وحينما يلغى الاختيار نقع في خطأ كبير ، قال تعالى : ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [ سورة الأنعام : 148] الجنة حق والنار حق ، وهذا اليوم الذي وعد الله به ، قال تعالى : ﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [ سورة النبأ :40] أعماله بين يديه ، انحرافه ، استقامته ، عمله الصالح ، عمله السيئ ، تفلته من منهج الله ، إيقاع الأذى بالآخرين ، بنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى حياته على موتهم ، بنى عزه على ذلهم ، بنى غناه على فقرهم ، هذا كله يراه الإنسان أمامه ماثلاً ، وعندئذ يستحق العذاب الذي وعد الله به ، والبطولة والذكاء أن ننجو في هذا اليوم من عذاب الله ، فالدنيا مكان عمل والآخرة دار جزاء ، لكن أحياناً الله عز وجل يكافئ بعض المحسنين في الدنيا تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين في الدنيا ردعاً للباقين ، ولكن الحساب الختامي يوم القيامة . والحمد لله رب العالمين
تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة النبأ 078
تفسير القرآن الكريم المرئي - سورة النبأ 078 – الدرس ( 4 ) : تفسير الآيات 27 - 30، الخطورة في التكذيب العملي لا التكذيب القولي . لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2016-06-09 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . التكذيب نوعان ؛ تكذيب عملي و تكذيب قولي : أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا مع تفسير الجزء الثلاثين ، ومع السورة الأولى وهي سورة النبأ ومع قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [ سورة النبأ :27-36] وعد الله حق والبطولة أن تستعد لهذا الوعد أيها الأخوة الكرام ؛ هناك نقطة دقيقة جداً لا يستطيع أحد أن يكذب بوعد الله عز وجل ، لكن البطولة أن تستعد لهذا الوعد ، أن تعمل وفق هذا الوعد ، فلذلك قال العلماء : هناك تكذيب لفظي ، وهناك تكذيب عملي ، لا تجد في العالم الإسلامي كله مليار وثمانمئة مليون إنسان يقول لك : ليس هناك آخرة ، أو ليس هناك حساب ، فالتكذيب اللفظي غير موجود في العالم الإسلامي كله إلا إن كان الإنسان ملحداً ، أما المسلم العادي فلا يمكن أن يكذب بيوم القيامة ، لكن هذا التكذيب العملي أخطر بكثير من التكذيب القولي ، لو قلت : ليس هناك يوم قيامة ، وهناك أدلة قرآنية ، وأدلة عقلية ، وأدلة نقلية ما لم تحمل نفسك على طاعة الله فلا قيمة لقناعاتك لو قلت : أنا لا أؤمن بهذا اليوم ، هناك من يقنعك بهذا اليوم ، أما إذا كذبت بقلبك بمعنى أنك لم تعد لهذا اليوم ، إذا طالب قال : لا يوجد امتحان ، والامتحان مصيري ، والعلامات بالامتحان تحدد مسار حياتك ، طب أو فروع ثانية ، لكن لأنه لم يدرس إطلاقاً ، ولم يفتح كتاباً ، فهو مكذب تكذيباً عملياً ، هذا التكذيب العملي هو الخطير ، ترى مسلماً يعمل في التجارة ، وأمواله في المصارف وبفائدة ربوية وهو مرتاح يسمع الدروس أحياناً ؟ هذا التكذيب العملي خطير جداً ، فلذلك ما لم تحمل نفسك على طاعة الله ، ما لم تترجم الدروس التي تسمعها إلى واقع ، إلى سلوك ، ما لم تقم الإسلام في نفسك ، ما لم تقم الإسلام في بيتك ، ما لم تقم الإسلام في عملك ، فكل قناعاتك لا وزن لها ، هذه المشكلة ، قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ سورة النور: 55 ] واقع المسلمين يجعل الله في حلّ من وعوده : الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، هل نحن كمسلمين الآن مستخلفون في الأرض؟ لا والله ، قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ سورة النور: 55 ] قانون قال تعالى : ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ [ سورة النور: 55 ] هل هذا الدين الإسلامي ممكن في الأرض أم يواجه حرباً عالمية ثالثة ؟ كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة ، جهاراً ونهاراً ، قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ [ سورة النور: 55 ] بعدنا عن الدين الحق يجعلنا مستضعفين في الأرض لسنا مستخلفين الآن ، ولسنا ممكنين ، ولسنا آمنين ، أين الخلل ؟ ما السبب ؟ ما المشكلة ؟ كيف نفسر ذلك ؟ كيف نقبل هذا التناقض المريع والمفارقة الحادة بين وعود الله لنا في القرآن ؟ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، كيف نتوازن ؟ كيف ننسجم مع وعود الله للمؤمنين في القرآن الكريم ومع واقع المسلمين ؟ ليست كلمتنا هي العليا ، وليس أمرنا بيدنا ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل ، هذا التردي ، هذا الانقسام ، هذا الضعف ، هذا الحصار ونحن أمة الوحين ، أمة الكتاب والسنة ، أمة وعدها الله بالاستخلاف ، قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ [ سورة النور: 55 ] دقق : ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ [ سورة النور: 55 ] فإذا أخلّ البشر ، أخلّ المسلمون بما كلفوا به من عبادة ، فالله جل جلاله في حل من وعوده الثلاثة ، فواقع المسلمين في تفرق ، في ضعف ، هل تصدقون أن المسلمين يملكون نصف ثروات الأرض ؟ وهل تصدقون أن في الأمة الإسلامية من أسس الاجتماع والتعاون ما لا تملكه أمة في الأرض ؟ تاريخ مشترك ، إله واحد ، قرآن واحد ، نبي واحد ، أهداف واحدة ، آلام واحدة ، آمال واحدة ، لا تملك أمة في الأرض ما نملك نحن من مقومات الوحدة ، ومع ذلك بأسنا بيننا ، الحقيقة المؤلمة أن الأعداء يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، والمسلمون - والحقيقة مرة - يتقاتلون وبينهم خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة ، إذاً لا بد من صحوة ، لا بد من عقد يجمعنا ، لا بد من أهداف توحدنا ، لذلك قال تعالى : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] التكذيب العملي أخطر من التكذيب القولي : الخطورة في التكذيب العملي لا التكذيب القولي ، مرة ثانية : لا يجرؤ إنسان مسلم في العالم الإسلامي كله أن يقول : ليس هناك آخرة ، لكن هذا الذي لا يعمل للآخرة ، يأكل المال الحرام، يعتدي على أموال الناس ، على أعراضهم ، لا يطبق هذا الدين لا في بيته ، ولا في عمله ، ولا في نفسه ، هذا يكذب تكذيباً عملياً ، وأخطر ما في التكذيب التكذيب العملي ، قال تعالى : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] مثلاً التكذيب القولي ، قال تعالى : ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾ [ سورة الرعد : 43] أنت لست رسولاً ، هذا تكذيب قولي ، قال تعالى : ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [ سورة الرعد : 43] التكذيب العملي هو معرفة الحق وعدم تطبيقه والسير نحو الباطل أما التكذيب العملي فعدم الأخذ بالمبادئ نوع خطير من التكذيب ، الذي يكذب عملياً لا يناقش ، ولا تستطيع أن تناقشه ، يقول لك : أعوذ بالله أنا مؤمن ، دخلك حرام ، دخلك ربوي ، الأموال في البنوك ، الفوائد ربوية ، البضاعة محرمة أساساً ، هناك مليون مخالفة بحياته ويدعي أنه على حق . أيها الأخوة الكرام ؛ ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [ سورة الرعد : 43] القرآن ضرب أمثلة كثيرة ، لو زرت طبيباً متفوقاً جداً يحمل أعلى شهادة ، وزرته لمرض تعاني منه ، وهو اختصاصه ، كتب لك وصفة ، فأنت شكرت الطبيب ، وبينت مكانته العلمية ، وأثنيت على علمه ، وعلى اختصاصه ، وأعطيته الأتعاب ، وأخذت هذه الوصفة ولم تشتر الدواء ، ولم تستعمله ، بالكلام كلام رائع ، مدحت الطبيب ، مدحت علمه ، إخلاصه ، أثنيت على خبرته ، صافحته ، أديت له الأتعاب بالتمام والكمال ، ولكن لأنك لم تشتر هذه الوصفة إذاً أنت تكذبه تكذيباً عمليلاً ، وإذا الله عز وجل وعد من يأكل الربا بحرب من الله عز وجل ، قال تعالى : ﴿ فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [ سورة البقرة: 279 ] ومع ذلك لا أحد يتعظ ، وبلاد المسلمين مبنية على الربا ، فمعنى ذلك : (( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ )) [أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس] التكذيب العملي عطل كل وعود الله للمسلمين : إن كان المسلمون بالإحصاء الأخير مليار وسبعمئة مليون ، هذا عدد المسلمين وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، إذاً أين الخطورة ؟ قال تعالى : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] التكذيب العملي لا التكذيب النظري ، الله عز وجل قال : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [ سورة البقرة : 8-9] فالتكذيب القولي يعالج ؛ تحاوره ، تأتيه بالأدلة ، بالآيات ، بالأحاديث ، بالقصص ، دليل منطقي ، دليل عقلي ، دليل نقلي ، ودليل شرعي ، فلذلك : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] هذه كذّاب مصدر . من عرف الله حق المعرفة التزم بمنهجه وبحلاله وحرامه أخواننا الكرام ؛ هذه اللغة العربية لغة راقية جداً ، نظامها نظام أسري ، هناك جد و أولاد و أولاد الأولاد ، ذكور وأناث ، هذه اللغة العربية فيها مثلاً عرف ، يعرف ، معرفة ، مصدر ، فيها فعل ماض ، وفعل مضارع ، وفعل أمر ، اسم مكان ، اسم زمان ، اسم تفضيل ، اسم آلة ، اسم فاعل ، اسم مفعول ، صفة مشبهة باسم الفاعل ، شجرة يقع على رأسها الجد ، فهذه اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية باعتراف علماء اللغة في العالم ، لغة القرآن الكريم، مثلاً باللغة الأجنبية تقول : تيبل طاولة ، تقول : بوك كتاب ، رايت : كتب ، باللغة العربية ذات الأسر العريقة ، تقول : مكتب ، وكتاب ، وكتب ، الكتابة من ك ت ب ، والمكتب نفس الاشتقاق ، وكتب نفس الاشتقاق ، فلغتنا لغة متصرفة ، لغة اشتقاقات ، فلذلك التكذيب القولي ليس وارداً في حياة المسلمين أما الله عز وجل فيقول : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] فأنت إذا لم تعبأ بالوعد والوعيد ، ولا بالثواب والعقاب ، ولم تلتزم ، ولم تحمل هذا الدين على التطبيق ، ولم تقم الإسلام في نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً هذا نوع من التكذيب ، قال تعالى : ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [ سورة النبأ :28] أي هناك إنسان يدخل الله في حساباته ، هذا لا أفعله ، سيدنا عمر رأى راعياً يرعى شياهاً ، فقال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها ماتت ، أو أكلها الذئب ، فقال هذا البدوي الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟! التكذيب العملي عطل كل وعود الله تعالى للمسلمين هذا الراعي غير المتعلم لا يوجد عنده مكتبة ضخمة ، ولا أجهزة حواسيب ، هذا وضع يده على جوهر الدين ، قال له : أين الله ؟ وكل إنسان حينما يصل إلى المال الحرام يقول: لا والله ، مال حرام ، لقاء حرام ، حضور حفلة لا تجوز ، الذي يقول : لا أفعل ، وضع يده على جوهر الدين ، أما لا يوجد عنده مشكلة إطلاقاً ، يلتقي مع من يشاء ، يجلس مع من يشاء ، يطلق بصره ، يتابع أي شيء دون أي انضباط ، لكن يوم الجمعة في المسجد ، لا يوجد عنده مانع يصلي ، قال تعالى : ﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾ [ سورة التوبة : 54] قرآن ، هناك كفر دون كفر ، أنت حينما لا تعتقد ، حينما تقرأ في القرآن حرمة الربا ولا تمتنع عن أكل الربا ، فأنت تكذب هذا الكتاب تكذيباً عملياً لا قولياً ، وأنا ألح في هذا اللقاء الطيب على أن أخطر شيء هو التكذيب العملي لا التكذيب القولي ، التكذيب العملي عطل كل وعود الله لنا ، قال تعالى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ سورة النور: 55 ] لسنا مستخلفين ، قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [ سورة الصافات: 173] لسنا كذلك ، فجميع وعود الله لنا معطلة ، لأن الدين له شكل وله مضمون ، هناك مساجد ، و مآذن ، و دروس ، و بيوت ، و مصاحف ، و لقاءات ، لكن ما لم تقم الإسلام في نفسك أولاً ، وفي بيتك ثانياً ، وما لم تبحث عن الحق ، وعن الدخل الشرعي ، وعن الإنفاق الشرعي ، وما لم تخطب امرأة صالحة تربي أولادك ، ما دمت لا تتأثر بهذه المقاييس فهناك مشكلة كبيرة . من يدخل الله في حساباته يعد للمليون قبل أن يعصيه : أخواننا الكرام ؛ العبارة الدقيقة ما أدخل الله في حساباته ، أذكر قصة لها معنى كبير، إنسان سافر من بلد إلى بلد ، على الحدود وجد تشديداً جمركياً يفوق حدّ الخيال ، أغراضه المسافر توضع على الطاولة كلها ، سافر إلى هذا البلد ، وجد أشياء رخيصة جداً ، وجميلة جداً، لكن مشهد الخروج ، التفتيش الدقيق ، والغرامات الباهظة من آمن بالله واليوم الآخر يحسب ألف حساب قبل أن يعصي الله عز وجل هذا مشهد كلما فكر أن يشتري غرضاً من هذا البلد تراجع ، كيف سيدخله معه ؟ هذه القصة كلها ، أنت عندما ترى أن هناك موتاً ، وقبراً ، وحساباً ، وتدقيقاً ، تعد للمليون قبل أن تعصي الله ، لذلك قال تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ [ سورة النبأ :27-29] أعمالك كلها تعرض عليك كشريط مسجل ، وأضيف أنا : وملون ، قال تعالى : ﴿ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴾ [ سورة النبأ :30] هذه الآيات أخواننا الكرام في الجزء الأخير ، وهذه السورة مهمة جداً ، وأتمنى أن نطالع كثيراً هذا الجزء الأخير من القرآن ، وهو جزء مكي ، أهم الموضوعات فيه الإيمان بالله واليوم الآخر ، والاستقامة والعمل الصالح . والحمد لله رب العالمين

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire